فصل: قال صاحب المنار في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومعنى التفرّق هنا هو التفرّق في الذوات والصفات والعدد أي: هل الأرباب المتفرقون في ذواتهم، المختلفون في صفاتهم، المتنافون في عددهم خير لكما يا صاحبي السجن، أم الله المعبود بحق، المتفرّد في ذاته وصفاته، الذي لا ضدّ له ولا ندّ ولا شريك، القهار الذي لا يغالبه مغالب، ولا يعانده معاند؟
أورد يوسف عليه السلام على صاحبي السجن هذه الحجة القاهرة على طريق الاستفهام، لأنهما كانا ممن يعبد الأصنام.
وقد قيل: إنه كان بين أيديهما أصنام يعبدونها عند أن خاطبهما بهذا الخطاب، ولهذا قال لهما: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا} أي: إلا أسماء فارغة سميتموها ولا مسميات لها، وإن كنتم تزعمون أن لها مسميات، وهي الآلهة التي تعبدونها، لكنها لما كانت لا تستحق التسمية بذلك صارت الأسماء كأنها لا مسميات لها.
وقيل: المعنى ما تعبدون من دون الله إلاّ مسميات أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم من تلقاء أنفسكم، وليس لها من الإلهية شيء إلاّ مجرد الأسماء لكونها جمادات لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضرّ؛ وإنما قال: {مَا تَعْبُدُونَ} على خطاب الجمع، وكذلك ما بعده من الضمائر؛ لأنه قصد خطاب صاحبي السجن ومن كان على دينهم، ومفعول سميتموها الثاني محذوف أي: سميتموها آلهة من عند أنفسكم: {مَّا أَنزَلَ الله بِهَا} أي: بتلك التسمية: {مّن سلطان} من حجة تدلّ على صحتها: {إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ} أي: ما الحكم إلا لله في العباد، فهو الذي خلقكم وخلق هذه الأصنام التي جعلتموها معبودة بدون حجة ولا برهان، وجملة: {أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} مستأنفة، والمعنى: أنه أمركم بتخصيصه بالعبادة دون غيره مما تزعمون أنه معبود، ثم بين لهم أن عبادته وحده دون غيره هي دين الله الذي لا دين غيره، فقال: {ذلك} أي: تخصيصه بالعبادة: {الدين القيم} أي: المستقيم الثابت: {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} أن ذلك هو دينه القويم، وصراطه المستقيم، لجهلكم وبعدكم عن الحقائق.
وقد أخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عكرمة قال: سألت ابن عباس عن قوله: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيات} فقال: ما سألني عنها أحد قبلك، من الآيات قد القميص، وأثرها في جسده، وأثر السكين، وقالت امرأة العزيز: إن أنت لم تسجنه ليصدقنه الناس.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد قال: من الآيات كلام الصبي.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: الآيات حزّهنّ أيديهنّ، وقدّ القميص.
وأقول: إن كان المراد بالآيات: الآيات الدالة على براءته فلا يصح عدّ قطع أيدي النسوة منها؛ لأنه وقع منهن ذلك لما حصل لهن من الدهشة عند ظهوره لهن مع ما ألبسه الله سبحانه من الجمال، الذي تنقطع عند مشاهدته عرى الصبر، وتضعف عند رؤيته قوى التجلد، وإن كان المراد: الآيات الدالة على أنه قد أعطي من الحسن ما يسلب عقول المبصرين، ويذهب بإدراك الناظرين، فنعم يصح عدّ قطع الأيدي من جملة الآيات، ولكن ليس هذه الآيات هي المرادة هنا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: عوقب يوسف ثلاث مرات: أما أوّل مرة فبالحبس لما كان من همّه بها، والثانية لقوله: {اذكرنى عِندَ رَبّكَ}، {فَلَبِثَ في السجن بِضْعَ سِنِينَ} عوقب بطول الحبس، والثالثة حيث قال: {أَيَّتُهَا العير إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} فاستقبل في وجهه: {إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَدَخَلَ مَعَهُ السجن فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا} خازن الملك على طعامه، والآخر ساقيه على شرابه.
وأخرج ابن جرير عنه في قوله: {إِنّى أَرَانِى أَعْصِرُ خَمْرًا} قال: عنبًا.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد: {نَبّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} قال: عبارته.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} قال: كان إحسانه فيما ذكر لنا أنه كان يعزّي حزينهم، ويداوي مريضهم.
ورأوا منه عبادة واجتهادًا فأحبوه.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي في الشعب عن الضحاك قال: كان إحسانه أنه إذا مرض إنسان في السجن قام عليه، وإذا ضاق عليه المكان أوسع له، وإذا احتاج جمع له.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: دعا يوسف لأهل السجن فقال: اللهمّ لا تعمّ عليهم الأخبار، وهوّن عليهم مرّ الأيام.
وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله: {لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ} الآية، قال: كره العبارة لهما فأجابهما بغير جوابهما ليريهما أن عنده علمًا، وكان الملك إذا أراد قتل إنسان صنع له طعامًا معلومًا فأرسل به إليه، فقال يوسف: {لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} إلى قوله: {يَشْكُرُونَ} فلم يدعه صاحبا الرؤية حت يعبر لهما، فكره العبارة فقال: {ياصاحبى السجن ءأَرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ} إلى قوله: {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} قال: إن المؤمن ليشكر ما به من نعمة الله، ويشكر ما بالناس من نعم الله، وذكر لنا أن أبا الدرداء كان يقول: يا ربّ شاكر نعمة غير منعم عليه لا يدري، ويا ربّ حامل فقه غير فقيه.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {ءأَرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ} الآية، قال: لما عرف يوسف أن أحدهما مقتول دعاهما إلى حظهما من ربهما، وإلى نصيبهما من آخرتهما.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {ذلك الدين القيم} قال: العدل. اهـ.

.قال صاحب المنار في الآيات السابقة:

{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}.
سِيرَةُ يُوسُفَ عليه السلام فِي السِّجْنِ:
هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي إِظْهَارِ مُعْجِزَةِ النُّبُوَّةِ، وَالتَّمْهِيدِ لِدَعْوَةِ الرِّسَالَةِ.
{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} هَذَا عَطْفٌ عَلَى مَفْهُومِ مَا قَبْلَهُ، أَيْ فَسَجَنُوهُ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ بِتَقْدِيرِ اللهِ الْخَفِيِّ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْهُ جَاهِلُوهُ بِالْمُصَادَفَةِ وَالِاتِّفَاقِ: فَتَيَانِ مَمْلُوكَانِ، تَبَيَّنَ فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُمَا مِنْ فِتْيَانِ مَلِكِ مِصْرَ.
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَحَدَهُمَا خَازِنُ طَعَامِهِ وَالْآخَرَ سَاقِيهِ، فَمَاذَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِ مَعَهُمَا؟ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا أَيْ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ رُؤْيَا وَاضِحَةً جَلِيَّةً كَأَنِّي أَرَاهَا فِي الْيَقَظَةِ الْآنَ وَهِيَ أَنَّنِي أَعْصِرُ خَمْرًا، أَيْ عِنَبًا لِيَكُونَ خَمْرًا لَا لِيُشْرَبَ الْآنَ، وَقِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيٍّ فِي الشَّوَاذِّ {أَعْصِرُ عِنَبًا} تَفْسِيرٌ لَا قُرْآنُ، وَمَا كُلُّ الْعِنَبِ لِأَجْلِ التَّخْمِيرِ، فَمَا نُقِلَ مِنْ أَنَّ عَرَبَ غَسَّانَ وَعَمَّانَ يُسَمُّونَ الْعِنَبَ خَمْرًا، فَمَحْمُولٌ عَلَى هَذَا النَّوْعِ الْمَخْصُوصِ مِنْهُ لِكَثْرَةِ مَائِهِ وَسُرْعَةِ اخْتِمَارِهِ، دُونَ مَا يُؤْكَلُ فِي الْغَالِبِ تَفُكُّهًا لِكِبَرِ حَجْمِهِ وَاكْتِنَازِ شَحْمِهِ وَقِلَّةِ مَائِهِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَصْنَافٌ {وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ} الطَّيْرُ جَمْعٌ وَاحِدُهُ طَائِرٌ، وَتَأْنِيثُهُ أَكْثَرُ مِنْ تَذْكِيرِهِ، وَجَمْعُ الْجَمْعِ: طُيُورٌ وَأَطْيَارٌ {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} أَيْ قَالَ لَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: نَبِّئْنِي بِتَأْوِيلِ مَا رَأَيْتُ، أَيْ بِتَفْسِيرِهِ الَّذِي يَئُولُ إِلَيْهِ فِي الْخَارِجِ إِذَا كَانَ حَقًّا لَا مِنْ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ، وَيَصِحُّ إِعَادَةُ الضَّمِيرِ الْمُفْرَدِ عَلَى الْكَثِيرِ كَاسْمِ الْإِشَارَةِ بِمَعْنَى الْمَذْكُورِ أَوْ مَا ذُكِرَ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَلَقْ ** كَأَنَّهُ فِي الْجِسْمِ تَوْلِيعُ الْبَهَقْ

{إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} عَلَّلُوا سُؤَالَهُمْ عَنْ أَمْرٍ يَهُمُّهُمْ وَيَعْنِيهِمْ دُونَهُ، بِرُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ مِنَ الْمُحْسِنِينَ- بِمُقْتَضَى غَرِيزَتِهِمْ- الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْخَيْرَ وَالنَّفْعَ لِلنَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ خَاصَّةٌ وَلَا هَوًى، وَقِيلَ: {مِنَ الْمُحْسِنِينَ} لِتَأْوِيلِ الرُّؤَى، وَمَا قَالَا هَذَا الْقَوْلَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ رَأَيَا مِنْ سِعَةِ عِلْمِهِ وَحُسْنِ سِيرَتِهِ مَعَ أَهْلِ السِّجْنِ مَا وَجَّهَ إِلَيْهِ وُجُوهَهُمَا، وَعَلَّقَ بِهِ أَمَلَهُمَا. وَهَذَا مِنْ إِيجَازِ الْقُرْآنِ الْخَاصِّ بِهِ.
افْتَرَضَ يُوسُفُ عليه السلام ثِقَةَ هَذَيْنِ السَّائِلَيْنِ بِعِلْمِهِ وَفَضْلِهِ، وَإِصْغَاءِهِمَا لِقَوْلِهِ وَاهْتِمَامِهِمَا بِمَا يَسْمَعَانِ مِنْ تَأْوِيلِهِ لِرُؤَاهُمَا، فَبَدَأَ حَدِيثَهُ بِمَا هُوَ أَهَمُّ عِنْدَهُ وَهُوَ دَعْوَتُهُمَا وَسَائِرِ مَنْ فِي السِّجْنِ إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ وَحْيَ الرِّسَالَةِ جَاءَهُ بَعْدَ دُخُولِ السِّجْنِ فَحَقَّقَ قَوْلَهُ: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} 33 كَمَا أَنَّ وَحْيَ الْإِلْهَامِ جَاءَهُ عِنْدَ إِلْقَائِهِ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ عَلَى مَا سَبَقَ، وَحِكْمَةُ هَذَا مِنْ نَاحِيَتِهِ عليه السلام ظَاهِرَةٌ بِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ فِي كُلِّ مِحْنَةٍ ظَاهِرَةٍ، مِنْحَةً بَاطِنَةً، وَفِي كُلِّ بِدَايَةٍ مُحْرِقَةٍ، نِهَايَةً مُشْرِقَةً، تَحْقِيقًا لِمَا فَهِمَهُ أَبُوهُ مِنِ اجْتِبَاءِ رَبِّهِ لَهُ إِلَخْ. وَحِكْمَتُهُ مِنْ نَاحِيَةِ دَعْوَةِ الدِّينِ أَنَّ أَقْوَى النَّاسِ وَأَقْرَبَهُمُ اسْتِعْدَادًا لِفَهْمِهَا وَالِاهْتِدَاءِ بِهَا هُمُ: الضُّعَفَاءُ وَالْمَظْلُومُونَ وَالْفُقَرَاءُ. وَأَعْتَاهُمْ وَأَبْعَدُهُمْ عَنْ قَبُولِهَا هُمُ: الْمُتْرَفُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ، بَدَأَ يُوسُفُ بِالدَّعْوَةِ بَعْدَ مُقَدِّمَةٍ فِي بَيَانِ الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ وَالثِّقَةِ بِقَوْلِهِ، وَهِيَ إِظْهَارُ مَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ تَعْلِيمِهِ مَا شَاءَ مِنْ أُمُورِ الْغَيْبِ، وَأَقْرَبِهَا إِلَى اقْتِنَاعِهِمْ مَا يَخْتَصُّ بِمَعِيشَتِهِمْ، فَكَانَ هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ وَتُوجِبُهُ الرِّسَالَةُ مِنْ جَوَابِهِمْ، وَهُوَ: {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} وَهُوَ مَالَا تَدْرُونَ، وَإِنِّي وَإِيَّاكُمْ فِي هَذَا السِّجْنِ لَمَحْجُوبُونَ {إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} أَيْ أَخْبَرْتُكُمَا بِهِ وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِهِ، وَبِمَا يُرِيدُونَ مِنْ إِرْسَالِهِ وَمَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ بَعْدَ وُصُولِهِ إِلَيْكُمَا: أُنَبِّئُكُمَا بِكُلِّ هَذَا مِنْ شَأْنِ هَذَا الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا.
رُوِيَ أَنَّ رِجَالَ الدَّوْلَةِ كَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى الْمُجْرِمِينَ أَوِ الْمُتَّهَمِينَ طَعَامًا مَسْمُومًا يَقْتُلُونَهُمْ بِهِ، وَأَنَّ يُوسُفَ أَرَادَ هَذَا، وَمَا قُلْتُهُ يَشْمَلُ هَذَا إِذَا صَحَّ، وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ تَسْمِيَةِ إِنْبَائِهِمَا بِهِ تَأْوِيلًا، فَإِنَّ التَّأْوِيلَ الْإِخْبَارُ بِمَا يَئُولُ إِلَيْهِ الشَّيْءُ، وَهُوَ فَرْعُ مَعْرِفَتِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ سَمَّاهُ تَأْوِيلًا مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ لِمَا سَأَلَاهُ عَنْهُ مِنْ تَأْوِيلِ رُؤْيَاهُمَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمُرَادَ: لَا تَرَيَانِ فِي النَّوْمِ طَعَامًا يَأْتِيكُمَا إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ. وَفَسَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَمَنْ قَلَّدَهُ (تَأْوِيلَهُ) (بِبَيَانِ مَا هَيْئَتُهُ وَكَيْفِيَّتُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ تَفْسِيرَ الْمُشْكَلِ وَالْإِعْرَابَ عَنْ مَعْنَاهُ). اهـ.
وَهُوَ تَكَلُّفٌ سَرَى إِلَيْهِ مِنْ مَفْهُومِ التَّأْوِيلِ فِي اصْطِلَاحِ عُلَمَاءِ الْكَلَامِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ لَا مِنْ صَمِيمِ اللُّغَةِ {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} أَيْ ذَلِكَ الَّذِي أُنَبِّئُكُمَا بِهِ بَعْضَ مَا عَلَّمَنِي رَبِّي بِوَحْيٍ مِنْهُ إِلَيَّ، لَا بِكِهَانَةٍ وَلَا عِرَافَةٍ وَلَا تَنْجِيمٍ، وَلَا مَا يُشْبِهُهَا مِنْ طُرُقٍ صِنَاعِيَّةٍ أَوْ تَعْلِيمٍ بَشَرِيٍّ يَلْتَبِسُ بِهِ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ، وَيَشْتَبِهُ الصَّوَابُ بِالْخَطَأِ، فَهُوَ آيَةٌ، كَقَوْلِ عِيسَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِهِ: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} 3: 49.
{إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ} خَالِقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا كَمَا يَجِبُ لَهُ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ، أَيْ: تَرَكْتُ دُخُولَهَا وَاتِّبَاعَ أَهْلِهَا مِنْ عَابِدِي الْأَوْثَانِ الْمُنْتَحِلَةِ عَلَى كَثْرَةِ أَهْلِهَا وَدَعْوَتِهِمْ إِلَيْهَا، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ مُتَّبِعًا لَهَا ثُمَّ تَرَكَهَا، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} 75: 36؟ أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يُبْعَثُ، لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ سُدًى قَبْلَهُ، فَتَرْكُ الشَّيْءِ يَصْدُقُ بِعَدَمِ مُلَابَسَتِهِ مُطْلَقًا، وَبِالتَّحَوُّلِ عَنْهُ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِقَرِينَةِ الْحَالِ أَوِ الْمَقَالِ أَوْ كِلَيْهِمَا كَمَا هُنَا.
وَالْمُتَبَادَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ: الْكَنْعَانِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ سُكَّانِ أَرْضِ الْمِيعَادِ الَّتِي نَشَأَ فِيهَا، وَالْمِصْرِيِّينَ الَّذِينَ هُوَ فِيهِمْ وَبَيْنَهُمْ، فَإِنَّهُمُ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً مَعْرُوفَةً فِي التَّارِيخِ، أَعْظَمُهَا الشَّمْسُ وَاسْمُهَا عِنْدَهُمْ (رَعْ) وَمِنْهَا فَرَاعِنَتُهُمْ وَالنَّيْلُ وَعِجْلُهُمْ (أَبِيسُ) وَإِنَّمَا كَانَ التَّوْحِيدُ خَاصًّا بِحُكَمَائِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} أَيْ وَهُمُ الْآنَ يَكْفُرُونَ بِالْمَعْنَى الصَّحِيحِ لِلْآخِرَةِ، فَإِنَّ الْمِصْرِيِّينَ وَإِنْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ فَشَا فِيهِمْ تَصْوِيرُ هَذَا الْإِيمَانِ بِصُوَرٍ مُبْتَدَعَةٍ، وَمِنْهَا أَنَّ فَرَاعِنَتَهُمْ يَعُودُونَ إِلَى الْحَيَاةِ الْأُخْرَى بِأَجْسَادِهِمُ الْمُحَنَّطَةِ وَيَعُودُ لَهُمُ السُّلْطَانُ وَالْحُكْمُ، وَلِهَذَا كَانُوا يَدْفِنُونَ أَوْ يَضَعُونَ مَعَهُمْ جَوَاهِرَهُمْ وَغَيْرَهَا، وَيَبْنُونَ الْأَهْرَامَ لِحِفْظِ جُثَثِهِمْ وَمَا مَعَهَا، وَلَعَلَّهُ لِهَذَا أَكَّدَ الْحُكْمَ بِالْكُفْرِ بِهَا بِإِعَادَةِ الضَّمِيرِ {هُمْ} لِيُبَيِّنَ أَنَّ إِيمَانَهُمْ بِالْآخِرَةِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ.
{وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي} أَنْبِيَاءِ اللهِ الَّذِينَ دَعَوْا إِلَى تَوْحِيدِهِ الْخَالِصِ، وَبَيَّنَ أَسْمَاءَهُمْ مِنَ الْأَبِ الْأَعْلَى إِلَى الْأَدْنَى بِقَوْلِهِ: {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} فَلَفْظُ الْآبَاءِ يَشْمَلُ الْجُدُودَ وَإِنْ عَلَوْا، وَبَيَّنَ أَسَاسَ مِلَّتِهِمُ الَّتِي اتَّبَعَهَا وِرَاثَةً وَتَلْقِينًا فَكَانَتْ يَقِينًا لَهُ وَلَهُمْ وَوِجْدَانًا، بِقَوْلِهِ مَا كَانَ لَنَا أَيْ مَا كَانَ مِنْ شَأْنِنَا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا مِمَّا يَقَعُ مِنَّا {أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ} نَتَّخِذُهُ رَبًّا مُدَبِّرًا أَوْ إِلَهًا مَعْبُودًا مَعَهُ، لَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَلَا مِنَ الْبَشَرِ (كَالْفَرَاعِنَةِ) فَضْلًا عَمَّا دُونَهُمَا مِنَ الْبَقَرِ (كَالْعِجْلِ أَبِيسَ) أَوْ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، أَوْ مَا يَتَّخِذُهُ لِهَذِهِ الْآلِهَةِ مِنَ التَّمَاثِيلِ وَالصُّوَرِ {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا} بِهِدَايَتِنَا إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ بِوَحْيِهِ وَآيَاتِهِ فِي خَلْقِهِ وَعَلَى النَّاسِ بِإِرْسَالِنَا إِلَيْهِمْ نَنْشُرُ فِيهِمْ دَعْوَتَهُ، وَنُقِيمُ عَلَيْهِمْ حُجَّتَهُ، وَنُبَيِّنُ لَهُمْ هِدَايَتَهُ {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِمْ، فَهُمْ يُشْرِكُونَ بِهِ أَرْبَابًا وَآلِهَةً مِنْ خَلْقِهِ، يَذِلُّونَ أَنْفُسَهُمْ بِعِبَادَتِهِمْ، وَهُمْ مَخْلُوقُونَ لِلَّهِ مِثْلُهُمْ أَوْ أَدْنَى مِنْهُمْ، ثُمَّ صَرَّحَ لَهُمَا بِبُطْلَانِ مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَنَبَّهَهُمْ إِلَى بُرْهَانِ التَّوْحِيدِ فَقَالَ: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
الدَّعْوَةُ إِلَى التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ بِبُرْهَانِهِ:
{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} أَضَافَهُمَا إِلَى السِّجْنِ بِمَعْنَى يَا سَاكِنَيِ السِّجْنِ، أَوْ بِمَعْنَى يَا صَاحِبَيَّ فِي السِّجْنِ. كَمَا قِيلَ: يَا سَارِقَ اللَّيْلَةِ أَهْلَ الدَّارِ. أَيْ سَارِقَهُمْ فِيهَا {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} هَذَا اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ بَعْدَ تَخْيِيرٍ، وَمُقْدِّمَةٌ لِأَظْهَرِ بُرْهَانٍ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَكَانَ الْمِصْرِيُّونَ الْمُخَاطَبُونَ بِهِ يَعْبُدُونَ كَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ أَرْبَابًا مُتَفَرِّقِينَ فِي ذَوَاتِهِمْ، وَفِي صِفَاتِهِمُ الْمَعْنَوِيَّةِ يَنْعَتُونَهُمْ بِهَا، وَفِي صِفَاتِهِمُ الْحِسِّيَّةِ الَّتِي يُصَوِّرُهَا لَهُمُ الْكَهَنَةُ وَالرُّؤَسَاءُ بِالرُّسُومِ الْمَنْقُوشَةِ وَالتَّمَاثِيلِ الْمَنْصُوبَةِ فِي الْمَعَابِدِ وَالْهَيَاكِلِ، وَفِي الْأَعْمَالِ الَّتِي يُسْنِدُونَهَا إِلَيْهِمْ بِزَعْمِهِمْ، فَهُوَ يَقُولُ لِصَاحِبَيْهِ: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} أَيْ عَدِيدُونَ، هَذَا شَأْنُهُمْ فِي التَّفَرُّقِ وَالِانْقِسَامِ، وَمَا يَقْتَضِيهِ بِطَبْعِهِ مِنَ التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْأَعْمَالِ، وَالتَّدْبِيرِ الْمُفْسِدِ لِلنِّظَامِ، هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا وَلِغَيْرِكُمَا مِنَ الْأَفْرَادِ وَالْأَقْوَامِ، فِيمَا تَطْلُبُونَ وَيَطْلُبُونَ مِنْ كَشْفِ الضُّرِّ وَجَلْبِ النَّفْعِ، وَكُلِّ مَا تَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى الْمَعُونَةِ وَالتَّوْفِيقِ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ أَمِ اللهُ الْوَاجِبُ الْوُجُودِ، الْخَالِقُ لِكُلِّ مَوْجُودٍ الْوَاحِدُ.
فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، الْمُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّسْخِيرِ، الَّذِي لَا يُنَازَعُ وَلَا يُعَارَضُ فِي التَّصَرُّفِ وَالتَّدْبِيرِ الْقَهَّارُ بِقُدْرَتِهِ التَّامَّةِ وَإِرَادَتِهِ الْعَامَّةِ، وَعِزَّتِهِ الْغَالِبَةِ، لِجَمِيعِ الْقُوَى وَالسُّنَنِ وَالنَّوَامِيسِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا نِظَامُ الْعَوَالِمِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ، كَالنُّورِ وَالْهَوَاءِ وَالْمَاءِ الظَّاهِرَةِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالشَّيَاطِينِ الْبَاطِنَةِ، الَّتِي كَانَ الْجَهْلُ بِحَقِيقَتِهَا، وَسَبَبُ اخْتِلَافِ مَظَاهِرِهَا، هُوَ سَبَبُ عِبَادَتِهَا وَالْقَوْلِ بِرُبُوبِيَّتِهَا. الْجَوَابُ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ عَاقِلَانِ أَدْرَكَا السُّؤَالَ: {بَلْ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، لَا رَبَّ غَيْرَهُ وَلَا إِلَهَ سِوَاهُ: وَلِذَلِكَ رَتَّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ} أَيْ غَيْرَ هَذَا الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ {إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} مِنْ قَبْلِكُمْ، أَيْ وَضَعْتُمُوهَا لِمُسَمَّيَاتٍ نَحَلْتُمُوهَا صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ وَأَعْمَالَ الرَّبِّ الْوَاحِدِ، فَاتَّخَذْتُمُوهَا أَرْبَابًا وَمَا هِيَ بِأَرْبَابٍ تَخْلُقُ، وَلَا تَرْزُقُ، وَلَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَا تُدَبِّرُ وَلَا تَشْفَعُ، فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ لَا مُسَمَّيَاتٍ لَهَا بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْ لَفْظِ الرَّبِّ الْإِلَهِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْعِبَادَةِ، حَتَّى يُقَالَ إِنَّهَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ خَيْرٌ {مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا} أَيْ بِتَسْمِيَتِهَا أَرْبَابًا عَلَى أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ {مِنْ سُلْطَانٍ} أَيْ: أَيُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْبُرْهَانِ وَالْحُجَّةِ، فَيُقَالُ إِنَّكُمْ تَتَّبِعُونَهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ تَعَالَى مِنْهُ، تَعَبُّدًا لَهُ وَحْدَهُ وَطَاعَةً لِرُسُلِهِ، فَيَكُونُ اتِّبَاعُهَا أَوْ تَعْظِيمُهَا غَيْرَ مُنَافٍ لِتَوْحِيدِهِ، كَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عِنْدَ الطَّوَافِ بِالْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ، مَعَ الِاعْتِقَادِ بِأَنَّهُ حَجَرٌ لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ- فَهِيَ تَسْمِيَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا مِنَ النَّقْلِ السَّمَاوِيِّ فَتَكُونُ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا مِنَ الْعَقْلِ فَتَكُونُ مِنْ نَتَائِجِ الْبُرْهَانِ.